مقدمـة
أهمية التصنيف :
معرفة أنواع
الترب مهمة جدا خاصة إذا علمنا أن استعمالات الأرض المثلي لا يتحقق إلا بذلك
سواء أكانت هذه الاستعمالات في الميدان الزراعي أو العمراني أو مد المواصلات أو
تهيئة البيئة بصفة عامة.
وإذا كانت البلدان
المتطورة قد مسحت أراضيها ودرست تربتها، فحددت أنواعها ورسمت لها خرائط منذ مطلع
القرن الحالي ، فإن بلدان كثيرة سفي العالم خاصة البلدان النامية ومنها البلدان
العربية لازالت في معظم الحالات لم تغط دراسة تربتها، حيث أن هناك مساحات شاسعة من
سطح أراضيها لازالت في طي المجهول أو هي مدروسة دراسة عامة وأن معظم خرائط
التربة للعالم العربي أن وجدت فهي ذات مقاييس صغيرة لا تعطي إلا فكرة موجزة ،
كثيرا ما كانت غير واقعية أو مضللة نوعا ما، إذ تخفي حقائق كثيرة ويسودها الغموض
كما يختلط فيها الواقع بالنظري ، وقد قام بوضعها في معظم الأحيان الأجانب
المستعمرون أيام الاحتلال كما هو الشأن لمعظم خرائط التربة لبلدان المغرب العربي .
فمثلا أول خريطة للتربة في الجزائر تعود إلى سنة 1954 وضعها دوران Y.H DURAND رئيس
مصلحة الدراسات الجيولوجية للوالي العام الفرنسي بالجزائر وهي أعمال كما يقول
صاحبها تعد بداية الانطلاق نحو رسم خريطة للتربية في الجزائر وقد حاول من قبله
داوني DALLONI سنة 1939 لوضع خريطة للتربية في الجزائر لكن
أعماله انتهت إلى خريطة جيولوجية وليست بيدولوجية ، أما ديل فيلا( DAEL VILLORS 1947)
فقد صنف التربة في شمال أفريقيا إلى ثلاثة أنواع ملحية ، كلسيه ، حديدية على عكس
دورانت الذي أعطي للعامل المناخي اليد العليا في تقسيمه للتربة في الجزائر إلى :
تربة السهوب أو المناطق الشبه جافة فيها العامل الأساسي لنشأة التربة يعود إلى
الرياح والأمطار . ثم التربة الصحراوية التي كان للرياح والتقلبات الحرارية اليد
العليا / ثم التربة التلية التي تعود فيها الأهمية للأمطار والنباتات في تشكيلها،
وكذلك الحال في المشرق العربي حيث نلاحظ آن أقدم دراسات للتربة تعود إلى مطلع
الستينات من القرن الحالي منها الدراسة التي قام بها VAR LIRRE سنة 1954لتصنيف
التربة و استعمالاتها في سوريا.
كما استقدمت بعض الدول
العربية في النصف الثاني من القرن الحالي خبراء من الولايات المتحدة ، والاتحاد
السوفيتي سابقا ، وفرنسا لدراسة تربها وتصنيفها ورسم خراط لها ، معتمدين في
السنوات الأخيرة على معلومات تقدها لهم الأقمار الصناعية الأمريكية أو الأوروبية .
ولعل أهم ما يلفت الأنظار
في تصنيف الترب في العالم العربي هو صعوبة تطبيق التصنيفات الأجنبية والأوروبية
والأمريكية،ذلك لشدة تنوع الترب في البلدان العربية وما يميزها عن كثير من الترب
في العالم ، لذلك يكون من الضروري أحداث مرسة عربية لدراسة وتصنيف ورسم خرائط
الترب في العام العربي.
مدراس التصنيف :
لئن كان
تصنيف التربة ضروري حتي يسهل ادراكها ويكتمل استعمالها فإن مشكلة هذا التصنيف
لازالت قيد الأخذ والرد والنقاش ، وذلك لعدة أسباب ، منها : كثرة العوامل المشكلة
للتربة ، ثم لعدم وجود فواصل واضحة بين المراحل الاستمرارية لتطوير التربة ، على
عكس فكرة التصنيف التي تقضي بالقطيعة . فمن تعريفنا للتربة على أنها النتاج الأخير
لعوامل : طبيعية وحيوية ، ظلت تعمل متعاونة ، مدة طويلة من الزمن لتشكيلها ، يظهر
لنا أن هذه العوامل كثيرة ومتنوعة وأن إدخالها كلها في التصنيف قد يؤدي بنا إلى
بلوغ أرقام من الأنواع يصعب ادراكها . فمثلا التصنيف الأمريكي قسم التربة إلى ما
يقرب من عشرة آلاف نوع. لهذا كان من الضروري اختيار البعض من هذه العوامل ، لكن
أهم مشكلة تعترض البيدولوجيين في تصنيفاتهم للتربة هي مشلكة انتقاء معايير التصنيف
مما جعلهم يختلفون في نتائجهم ، حتى يمكن أن أقول أن هناك أكثر من مائة تصنيف ، بل
تكاد تكون أنواع التصنيفات بعدد المؤلفين في هذا الموضوع . وبعد المؤتمر العالمي
الخاص بالتربة المنعقد بموسكـو سنة 1974 أجريت تعديلات على أسس التصنيف
بهدف توحيده لكن الاتفاق النهائي لازال غير وارد حتى يومنا هذا . والمتتبع لهذه
التصنيفات يلاحظ أن هناك ثلاث مدراس لتصنيفات التربة في العالم : المدرسة الروسة
والأوروبية والأمريكية يضاف لها منظة الفاو.
أ - المدرسة الروسية :
تعد أقدم
المدارس حيث تعود إلى أواخر القرن الماضي (V.V DOKCHEV 1885) فيها اتخذ من
المناخ معيارا للتصنيف ، فصنف التربة في العام إلى ثلاث أنواع هي التربية
النطاقية ZONAL التي فيها اليد العليا للمناخ في تشكيلها. وهي تتماشى
والنطاقات المناخية التي تظهر موزعة في شكل نطاقات محيطة بالكرة الأرضية مثل
التربة البودزولية لمناخ التيقا، والتشر نوزم لمناخ السباسب ، وتربة السيروزوم
للمناخ الصحراوي . ثم التربة بين النطاقية INTERZONAL وهي التي لا يعود الأصل
في نشأتها للعوامل المناخية فقط ولكن لعوامل أخرى واضحة من نباتات وتركيب صخري ،
مثلا التربة الملحية والتربة الكالسية ، ثم التربة الانطاقية AZONALوهي التي يعود الأصل في
نشأتها إلى الظروف المحلية كالتضاريس أو الايكولوجية مثل تربة الانحدارات المتجددة
بالنحت والانحراف، بتربة التوربيار، والتربة الطمية اللحقية والتربة المائية
الخ...
وهذا التصنيف الروس
يتماشى والنظرة الجغرافية الطبيعية . وله بعض الثغرات ، فمثلا التربة الحمراء أو
تربة البحر المتوسط هل تعد من الترب النطاقية أو تصنف ضمن الترب بين النطاقية ؟ .
ثم أنه لم يأخذ في التصنيف بمعظم العوامل المؤثرة في التربة حتى أعطتها ميزتها
الخاصة ، لكنه ركز فقط على عمال المناخ
ب - المدرسة الأوروبية :
وهي مدرسة
حديثة ظهرت نتيجة للتقدم العلمي ، خاصة العلوم الفيزيائية والكيمائية . وقد اتخذت
من الصفات الجوهرية للتربية ومدى تطورها معيارين أساسيين للتصنيف ، بدلا من
العوامل الخارجية ، أي بدلا من المناخ وحده . فهي تسعى الى الخلاصة الايكولوجية
المبنية على استعراض مجموع من المعطيات يمكن ايجازها في ثلاثة هي : هي الوسط MILIEU ،
التطور PROCESSUS ثم الخصائص CARACTERES .
من بين هذه التصنيفات الأوروبية نذكر التصنيف الفرنسي للتربة الذي اقترحه دي شوفورDUCHQAUFUR)1) سنة 1967 واعتمدت
عليه اللجنة العلمية لخريطة التربة بفرنسا التي صنفت التربة على أساس النشأة
والتطور والمميزات إلى أصناف هي : غير متطورة، قليلة التطور، رطبة، ملحية، حديدية،
متطورة للبحر المتوسط، حديدية استوائية، حديدية شبه مدارية، مقلوبة منسجمة دباليا،
مقلوبة، سمراء، بودزولية، حمراء للبحر المتوسط، حديدية مدارية، حديدية للمناطق
الرطبة، وكل فئة من هذه الفئات صنفت إلى فئات ثانوية.
فالحيرية مثلا قسمت إلى
ثلاث فئات ثانوية هي : قليلة الدبال، دبالية، كثيرة الدبال، فالتصنيف الفرنسي
للتربة يسمح باستيعاب معظم مجموعات الترب في العالم وتفرعاتها، وللتطبيق ميدانيا،
إلا أنه يعجز عن الجمع بين كل العوامل لنشأة كل أنواع الترب في العالم.
ج- المدرسة الأمريكية :
انتهـت
محاولات تصنيفات علماء التربة بالولايات المتحدة منذ سنة 1960 إلى تصنيف
يكاد يكون نهائيا سنة 1957 وهو تصنيف قائم على تشخيص الآفاق من حيث
التكوين والمورفولوجيا والتركيب الكيماوي والفيزيائي أي اعتمد في دراسته للتربة
على كل صفات التربة تقريبا. واتخذ من اللغتين اللاتينيـة واليونانية مرجعا لاشتقاق
التسميات، أسوة بعلم تصنيف النباتات، والحيوانات. واعتمادا على الآفاق الأساسية
للتشخيص صنفو أولا التربة إلى فئتين هما : التربة المعدنية والتربية العضوية أو
الدبالية التي تزيد فيها نسبة الفحم العضوي عن 18% أما
ما نقص عن ذلك فتعود إلى صنف التربة المعدني، ثم صنفت هاتان الفئتان إلى عشرة رتب
ثم صنفت كل رتبة إلى ما تحت الرتب فصارت (47) ثم هذه إلى مجموعات كبرى فصارت (185)
ثم هذه إلى ما تحت المجموعات (970) ثم هذه إلى عائلات (4500) ثم هذه إلى سلاسل حتى
أصبحت تضم 10500 سلسلة. من محاسن التصنيف الأمريكي ضبط ودقة وترقيم
معايير التصنيف التي بمعرفتها يمكن للباحث أن يرد التربة إلى صنفها مهما كان
موضوعها في العالم. أما مساويه فتتجلى في اعتماده بالدرجة الأولى لتشخيص التربة
على أفق واحد هـو الأفق السطحي بينما التربة في معظمها تتشكل من عدة آفاق مرتبطة
ببعضها وتتأثر ببعضها ثم إن المعطيـات العددية التي يعتمد عليها هذا التصنيف لا
تتوفر دائما لدى الباحثين ففيما يخص الرطوبة مثلا التي تدخل في تصنيف ما تحت الرتب
يجب معرفة عدد الأيام الحافة المتتالية وغير المتتالية بالضبط التي فيها ظلت
التربة جافة ورطوبتها دون نقطة الذبول..
د- تصنيف الفاو :
كان الهدف من
تصنيف المنظمة العالمية للتغذية للتربة رسم خريطة التربة للعالم منذ
سنة 1960 وبعد مشاورات عديدة لعلماء وباحثين في هذا الميدان والإطلاع
على مختلف أنواع الترب في أكثر من 40 بلدا في العالم ، واقتراحات كثيرة
وتعديلات متتالية انتهت منظمة الفاو سنة 1973 إلى وضع خريطة التربة في
العالم تحوي 26 وحدة أساسية للتربة في العالم ثم صنفت كل وحدة إلى وحدات
فرعية تتراوح ما بين 2 و9 ، ومرتبة ترتيبا منطقيا حسب درجة التحول
والتطور.
وتصنيف الفاو يشبه تصنيف
الأمريكان خاصة في الاعتماد على تشخيص الآفاق وأشكالها ، لكن جاء ببعـض التعديلات
للتصنيف الأمريكي ، مما يلاحظ على تصنيف الفاو أنه أبسط وأكثر اختصارا. وأخــيرا
أدمجوا في وحدة التربة الغنية بالذبال خمس وحدات من الترب هي : الشيرنوزم ،
الكاتانوزم، الجريزم، الفاوزم ، الرندزين. وضموا إلى التربة الملحية كل من تربتي
السولنتشاك و السولونيتز.
ومما يؤخذ على تصنيف
الفاو أنه أكثر تشعبا وتعددا للوحدات بين (26 وحدة) وإنه لايميز كثيرا بين
أنماط التحول ودرجاتها، لهذا راحوا يبحثون عن مشروع آخر للتصنيف.
الخلاصة :
أن تصنيفات
التربة حتى اليوم إي حتى بداية التسعينات من القرن العشرين ، لازالت لم تصل إلى
نهاية وإجماع دولي في توحيد تسمياتها ومناهجها وضبط أنواعها ، خاصة بعد الاكتشافات
المتتالية والمعلومات المتجددة باستمرار التي ظل العلماء يحصون عليها عن طريق
الأقمار الصناعية أو ما يعرف بطرق الاستشعار عن بعد وقد وضعت الأمم المتحدة برامج
الاستزادة في جمع المعلومات عن كوكبنا هذا ، يابسة ومائه ، بواسطة الأقمار
الصناعية التي ما فتئت ترسلها الدول الكبرى .ومن هنا يمكن للدول النامية الاستفادة
منها ، فعلى الدول العربية أن تندمج في هذا الإطار وأن لا تضيع الفرصة للاستفادة
من هذه الكشوفات والتطورات التقنية الحديثة لضمان مكانتها في هذا العالم ومستقبلها
في هذا الوجود . وسنختار في تصنيفنا لأنواع الترب في الوطن
العربي التصنيف الذي تسوده الصبغة الجغرافية والذي سار عليه أغلب البيدولوجيون في
العالم وهو إغفال عامل المحطة، والـظروف المحلية. لهذا صنفنا تربة الوطن العربي
إلى نطاقية وتشتمل ترب : البحر المتوسط ، سهوب ، الصحراوية والإنطاقية وتضم الترب
: المقلوبة ، الجبلية ، الفيضية ، الملحية .
2-1- الترب النطاقية
:
أ - تربة الراندرين المكونة فوق الصخور
الكاليسية اللينة أو المارنية أو الحصية ، تحت غطاء من النباتات ، فيها تللت
مركبات الكلس والمغنزيوم بتأثير حمض الفحم ، وتحولت إلى بيكابونات ، أما الجص
فتحول إلى سلفات ، وبقي الكوارتز والسلكيات مع بض الخص المكونة لطبقة سطحية
رقيقة للغاية ، لهذا كان هذا النوع من التربة ثقيلا بسبب ارتفاع نسبة الطين فيه ،
وكلما أزاد صفاء الكلس في الصخر الأم كلما قلت المواد المتبقية وظلت التربة رقيقة
. مقطعها يحوي أوفق A وينعدم أفق B للتراكم . المركب
الامتصاص غني بالكالسيوم الحر المنبث في التربة.
ب - التربة الحمراء يطلق عليها عندنا
تربة الحمري وهي المعروفة أيضا بتيرا روزا المميزة لمناخ البحر المتوسط تشكلت فوق
صخور جيرية صلبة غنية جدا في الحديد والطين نتيجة التحولات الجيوكيماوية التي ظلت
تعمل منذ مطلع الزمن الرابع ، لذا عدت من الترب القديمة ، جيدة الصرف . حمرة وهذه
التربة دليل على المناخ الحار الذي ساد بالمنطقة والفصل الجاف الذي تتفوق في كمية
التبخر عن كمية التساقط مما أدى إلى صعود الأملاح وأكاسيد الحديد من اسفل التربة
إلى سطحها ثم تبلورها وترسبها بعد تبخر المياه التي كانت تحملها. وتقدر نسبة
الحديد الحر إلى مجموعة بما يقرب 60% كما ترتفع به نسبة
الالومينيوم ، وتقل نسبة السليس المغسول في الغالب ونسبة طسين الكاولينيت Kaolinite مرتفعة
، دبالها من نوع المول mull المشبع لذا أطلق على هذه النوع من التربة في بعض الأحيان اسم
الهيزوهيميك hisohumique .درجة حموضتها تكاد تكون محايدة ، سمكها يتراوح
بين 30 سم والمتر ، يختلف حسب وضع التضاريس ، غنية في ألا زوت والبوتاس
، فقيرة في الفوسفور ، سعتها التبادلية قد يزيد عن 30ملليمكا في /100غ،
وبذلك خصوبتها لا تقل عن خصوبة التربة السمراء إذا بقيت محتفظة بآفاقها التي تتشكل
عادة من أفق : A واضح التطور أحمر اللون تختلط فيه المواد العضوية التي تقل
نسبتها عن 30 % بالمواد المعدنية : قد يلي هذا الأفق أفق A أقل
دبالا وحمرة من الأفق B الذي يرتكز مباشرة
فوق الصخر الأم دون منطقة انتقالية وهذا الأفق الأخير أحمر عاتم أو ضارب إلى اللون
البني وهذا ما يميزه عن التربة السمراء ، غني بالرطوبة والدبال والمركب الامتصاص ،
رغم غسله من الكاربونات فهو غني في القواعد خاصة شارجبات الكالسيوم والمغنيزيوم ++Mg و++ Ca، تدخل
الإنسان والإنجرافات أديا إلى إفقار الأفق السطحي لهذه التربة كذلك الرعي والحرائق
أديا الى احلال الأحراس محل غابات السنديان.
ج - التربة السمراء sol brun تشكلت
نتيجة عامل الشباب أو الحداثة أي المدة القصيرة التي مرت على تكوين هذه التربة لم
تكون كافية لتجريد موادها من الكاربونات مما أدى إلى قلة حمرتها واختلاط هيماتيتها
بأكسيد أخرى أقل حمرة فأضفى عليها ذلك اللون الأسمر . وبصفة عامة فإن لهذه التربة
نفس الخصائص التي للتربة الحمراء لكن غسلها محدود للغاية.
2-1-2- تربة السهوب :
وهيمن الترب النطاقية
لأن للمناخ والنباتات اليد العليا في تكوينها . وتختلف عن التربة الصحراوية في
تدخل عاملي الأمطار بالدرجة الأولى ثم الرياح بينما الترب الصحراوية اليد العليا
فيها للرياح بالدرجة الأولى في تشكيلها.
يطلق بعض البيدولوجيين
إسم التربة البنية SOL marron على التربة السهوبية والبعض الآخر يسميها
بالتربة sol chatain . تحتل في بلدان الوطن العربي النطاق الانتقالي بين تربة
البحر المتوسط السابقة الـذكر والتربية الصحراوية التي سنتعرض لها فيما بعد وهو
نطاق مناخه شبه مداري قاري حيث يظهر بعيدا عن المؤثرات البحرية.
لهذا كانت هذه التربة
تأخذ أحيانا البعض من صفات التربة البنية وأحيانا أخرى تأخذ البعض من صفات التربة
الصحراوية.
تغطي مساحات واسعة من
بلدان المغرب العربي ، خاصة في إقليم النجود بالمغرب والجزائر وتونس وليبيا ،
وتظهر أيضا بالأقاليم الداخلية الغربية بسوريا ولبنان وفلسطين ، وقد صنفها ديشوفور
، في أطلسه للتربة في العالم ، ضمن فئة تربة المناخ المتباين الفصول sols à pedoclimat
contrasté الذي قسمه إلى تربة الفيرتيسول أي المقلوبة التي
سنتعرض لها فيما بعد ، إذ هي ليست بترة نطاقة ، والتربة الدبالية المنسجمية sols isohumique وهي
النطاقية ثم قسم هذه الأخيرة حسب التدرج المناخي وشدة تناقـض الفصول ، طولها ، وما
تحويه هذه التربة من الدبال وماهي عليه من نضج وتشبع في المركب الغذائي ، إلى ثلاث
أنواع هي :
1- تربة الشيرنوزم
أو السهوب أو المشبعة .
2- التربة السمراء
أو البراري الأقل جفافا من السهوب.
3-التربة الكستنائية أو
السهوب الجافة التي تظهر بالخصوص في الأقاليم الداخلية المجاورة لمناخ البحر
المتوسط
أما التصنيف الأمريكي
فيدرج تربة السهوب هذه فيما تحت رتبة الكسيرسول Xeosols التي
تعود إلى رتبة الموليسول Mollisols أي التربة ذات الآفاق
السطحية الغنية بالمادة العضوية التي تظهر فوق الصخور الكلسية.
أما منظمة الفاو فقد
أدرجتها ضمن وحدة تربة الكاستانوزم أي الكستنائية Kastanozems أو
التربة الكستنائية السهوبي.
وعلى أي تصنيف كانت فإن
هذه التربة تتميز بأفقها السطحي القاتم اللون المحتوي على كمية كبيرة من الكلس
والطين، ونظرا لموقعها على الهوامش الصحراوية فإنها أوفر مطرا من الصحراء إذ
تتراوح أمطارها ما بين 200 مم و 500 مم سنويا وتظهر بها
أعشاب متنوعة قصيرة وثروتها العشبية جعلت
منها منطقة لرعي منذ العصور القديمة رغم ما لهذا الرعي من انعكاسات سلبية وإفقار
للمادة العضوية، وسكنتها الشعوب رحالة حتى يومنا هذا في كل البلدان العربية.
ومن الملاحظ على
التربة الكستنائية أنها كثيرا ما ظهرت فوق الأراضي المحمية، عند أقدام المرتفعات
من الصخور الجيرية وهي موروثة عن الأطيان الحمراء الفاقدة لفحماتها نتيجة نقل
المياه الجارية للفحم من المناطق المرتفعة والإنحدارات نحو السهول. فهذه الكربونات
المصحوبة والمتسربة في التربة قد أدت إلى تشكيل طبقة سميكة من القشور والمتحجرات
الجيرية.
فـي التربة الكستنائية
للسهوب يغيب البناء الحبيبي فوق الأفق، A. وإذا زادت درجة الحرارة
زادت ذرة تأكسد الحديد وبالتالي زاد إحمرار التربة التي تتراوح حموضتها
بين 7 و8 في أغلب الأحيان. ويمكن أن نلاحظ في مقطع هذه التربة
الآفاق التالية :
- 1) أفق A لونه بنى أو مائل إلى الرمادي أو فيه يظهر تداخل اللون الأحمر الذي يعود إلى أكاسيد الحديد، واللون الرمادي العاتم الذي يعود إلى المواد العضوية، وهو الذي أعطى لهذه التربة لونها الكستنائي.
- 2) أفق A1 تختلط فيه المواد العضوية بالمعدنية، وهو أحمر عاتم سمكه قد يصل حتى النصف متر، يحوي ما بين 2 و 3 % من مواد دبالية وكميات من كاربونات الكالسيومCaCO3 التي تزداد بزيادة العمق على عكس الكمية الدبالية التي تقل بزيادة العمق وتساعد النشاطات الحيوية خاصة القوارض علـى نشر المواد العضوية بين سطح التربة وما تحتها. وللعوامل الميكانيكية اليد العليا في تشكيل هذه الطبقة وذلك بجر الكلس من الآفاق السطحية وترسييه في الأعماق. كما أن عملية التحويل تؤدي إلى رفع نسبة الطين في الأفق B وتحميره.
- 3) أفق B ينتقل إليه مباشرة من أفق A1 ولا يعد أفقا تراكميا بحتا ولكن أفقا بنيويا بالدرجة الأولى تشكل في مكانه أثناء النشأة فهو نتيجة تفكك الصخر الام محليا أو تحو الرواسب المنقولة من بعيد إلى هذه الطبقة وليس نتيجة تسرب الذرات الطينية إليه من أعلى. ويختلف عن الصخر الأم في درجة تحوله ووجود نسبة أكاسيد الحديد الحرة به. لونه أكثر حمرة، سمكه أقل، بنيته صفائحية، يعلو القشرة الجيرية المتحجرة المختلفة الصلابة والبنية والسمك باختلاف طرق تشكيلها وقدمها.
فالأحدث منها أقل سمكا
وصلابة ، أما القديمة فهي أشد صلابة وأكثر سمكا .وقيل في تشكيلها أنها كانت نتجة
انحلال البيكاربونات أولا، ثم عند تعرض هذا المحلول الى التبخر السريع ترسب ماكان
بها من بيكاربونات في شكل تجمعات عفروية أي مسحوق دقق للغاية تصلب فيما بعد وتطور
الى عقد تجمعت وألتحمت ببعضها بتسرب الكالس إليها وملء فرغاتها البينة مما أدي بها
في النهاية الى تشكيل مساحات واسعة من التحجري ، الذي يقوق امتداد عروق النباتات.
والملاحظ على هذا الافق
أنه غني جدا في كاربونات الكالسيوم caco3 التي قد تصل نسبتها حتى 90 %
2-1-3- التربة الصحراوية :
تحتل أكبر مساحة
من الوطن العربي تقرب من 80% وهي تربة نطاقية بأتم معنى الكلمة إذ يتماشى توزيعها والنطاق
المناخي الجاف الذي تقل أمطاره عن 200 مم في السنة ، وللمناخ اليد
العليا في تشكيلها خاصة الرياح والحرارة التي تقوم بعلمية التهيئة للرواسب ذلك أن
الفوارق الحرارية اليومية لهذه المناطق وما أدت إليه من إنكماش وتمدد لمعادن
الصخور المختلفة في تركيبها كان لها الأثر البالغ في تقشر هذه الصخور
وتشققها الى فتيتات دقيقة ، تساعد الرياح على كنسها بعد فرزها ثم نقلها إلى
أماكن أخرى تختلف بعدا باختلاف شدة الرياح . وربما ساهمت هذه الرياح أيضا في
تفكيك وبري الصخر. أما ندرة الأمطار فقد أدت إلى فقر الإقليم نباتا ، فنتج عن ذلك
فقر التربية في الدبال وارتفاع نسبة المعادن والأملاح والجص والسليس والأكاسيد
وليس لهذه التربة بنية ، ولكن قوام ونسيج واضح متمثل في الرمال أو المسحوقات بل
حتى الطين في بعض الأحيان ، منعدمةالصرف. فالعامل الميكانيكي هو الذي له اليد
العليا في تشكيل هذه التربة التي قد أطلق عليها إسم تربة السيروزم sierozems أو
التربة الرمادية الصحراوية ، أو البنية أوالبنية الحمراء … وهي تربة خصبة في
المعادن لكن فقيرة جدا في الدبال لندرة نباتاتها.
وقد صنفها دي شوفور في
فئة الترب القليلة التطور المناخية المميزة لللنطاقات المتطرفة مناخيا ، المرتبطة
باختفاء الغطاء النباتي والخالية من المواد العضوية إذ تقل فيها عن 1% .
ثم أن نوبات الأمطار القصيرة والنادرة بها قد تؤدي إلى إعادة توزيع الأملاح بالقرب
من السطح ، وتحجر الجير والجبس ، وقد يلاحظ على السطح بداية لسمرة أو حمرة التربة
التي يمكن ارجاعها إلى فترة رطبة قديمة مرت بها المنطقة.
وقد صنفت نظمة الفاو
التربة الصحراوية في وحدة أطلقت عليها الكسيروسول xersol أي
الترب الجافة التي تجاور نطاقات السهوب وتقل موادها العضوية 1 % أما
الأمركان فقد صنفوا التربة الصحراوية في رتبة الاريديسول aridisols لتميزها
بآفاقها الوراثية الجافة ولخلوها من الماء الميسر لمدة تزيد عن ثلاث شهور متتالية
في السنة خلال فترة تكون فيها درجة الحرارة مناسبة لنمو النباتات وإن ظهرت هذه
النباتات كانت في الغالب من الأنواع الشوكية المتباعدة جدا عن بعضها. وقد تتجمع
بالقرب من سطح هذه التربة فحمات الكالسيوم أم الأملاح أو الجص أو السليس والأكاسيد
كقشرة إضافية إلى بعض نظاهر تكوين الطين المحلي في الأفق (B) خالية من الشقوق
العميقة .وحسب إحتوائها على الطين فقد قسمت إلى :
- 1- تربة جافة أطلق عليها الاورجيدس argids تتميز بأفق تراكم طيني مغسول يوحي إلى وجوج مناخ في القديم كان أكثر رطوبة من المناخ الحالي.
- 2- تربة أطلق عليها الاورثيدس orthds وهي التربة المشهورة باسم السيروزم siérozems أو التربة السمراء السيروزمية المتميزة بخلوها من الآفاق الطينية ، ويعتقد البعض أن هذا النوع الأخير أو تربة السيروزم أحدث من تربة الأرجيدس التي تشكلت منذ حوالي 25 ألف سنة في بطون الأودية.
وإذا نظرنا إلى التربة
الصحراوية من حيث الصلابة والسمك ونوع الصخر وحجم الحبيبات ومدى تلاحمها يمكن أن
نصنفها إلى ثلاثة أقسام هي : تربة الحمادة ، وتربة الرق ، وتربة العرق.
- أ- تـربة الحمادة وهي التربة الحجرية التي تظهر في الهضاب الصخرية التي تغطي مساحة واسعة من الصحاري العربية . وهي هضاب تتشكل من طبقة سطحية ومن بلاط مختلف الحجم والصلابة والاتساع ، وقد تخفي تحتها رمالا ناعمة ذات لون بني أو مائل الى الحمرة مختلفة السمك لم تتمكن الريـاح من نقلها بعد ، لأنها محمية بما فوقها من بلاط. واعتمادا على هذا البلاط الذي يحميها قسمت إلى :
- 1) تربة حمادة البلاط الكلسي وهي التي تتشكل من بلاط أو من حجارة كلسية ذات زوايا واضحة، وعـرض يتراوح بين الشبر والذراع تكسو طبقة رملية ناعمة غنية بالفتيتات الجيرية ، عمقها قد يصل حتى النصف متر. وهذا النوع من الحماة يحتل مساحة واسعة من الصحراء الجزائرية والموريتانية والليبية.
- 2) تربة حمادة البلاط الصواني وهي التي تتشكل من بلاط الصوان أي السيليس الأكثر صلابة بالطبع مـن الحجر الجيري، يضم تحته في بعض الأحيان رمالا ناعمة أصلها صخور أخرى ، وقد دستها الرياح هنا بعد أن جاءت بها من صخور أخرى خارج المنطقة . والبلاط هنا يحتل سطوحا أوسع وأحجاما أكبر ، ولها زوايا واضحة ، كثيرا ما كانت حادة. أما سمك الطبقة الرملية الغنية بالكلس الواقعة تحت الحجر الصوان فيتراوح بين 10و40 سم.
- 3) تربة حمادة البلاط البازلتي تشكلت في مناطق أحجار البازلت الكبيرة الحجم إذ يفوق حجمها في الغالب حجارة الصوان أو الكلس ، وتظهر محليا حيث الصخور البركانية فهي ليست مـن الترب
المنقولة. وتحتل مساحة
محدودة للغاية في صحاري البلدان العربية حيث تجدها في مناطق محصورة مـن وسط ليبيا
وإقليم الهوقار بالجزائر والجيهات الغربية للمملكة العربية السعودية . وسمك هذا
النوع من التربة لا يتجاوز في الغالب العشر سنتيمترات.
- ب- تربة الرق وتعرف أيضا بتربة السرير لأنها تحتل في الغالب أسرة الأودية الصحراوية ، كما يطلق عليها اسم التربة الحصوية لكبار حجم حبيباتها . تشكلت نتيجة لعاملي : الراح بالدرجة الأولى ، والسيول بالدرجة الثانية ، وبالنسبة للرياح فإنها تقوم بعملية انتقاء ونقل الفتيتات الدقيقة المنفكة من الصخور أو التي جاءت بها السيول، تاركة وراءها تلك الحجارة التي لاتقدر على تذريتها وتحريكها . وقد يحدق للصخر أن يكون متركبا من معادن مختلفة جدا في القساوة لهذا جزء منها قد ينفك وجزء آخر يبقى منماسكا ، فما أنفك منها حملته الرياح أما مابقي فظل في شكل تربة حصوية ، وقد تظهر تربة الرق بوضوح في توضعات أسرة الأودية نتيجة عملية تصنيف السيول الجارفة للحجارة ، فتترك الـخشنة منها على السطح وتنقل الدقيقة منها إلى أسفل أو تأتي الرياح بعد ذلك لنقل الرمال الدقيقة إلـى أماكن نائية تاركة بنفس المكان الحصى الذي قد نجد تحته طبقة من الرواسب أكثر نعومة. وتتمير تربة الرق باستدارة احجارها وقلة نسبة املاحها وكبر سمكها وخصوبها فهي غنية نباتا من بقية أنواع الترب الصحراوية .
- ج- تربة العرق تتشكل من رمال ناعمة في حجم بذور الخردل ، وهي ذرات سليسية مختلطة بنسب مختلفة من معادن أخرى منها الكلس ، وتزداد حمرة هذه الرمال كلما زاد جفاف المنطقة. وهي حمرة تعود إلى ماتحويه من أكاسيد الحديد أما سمك هذه الرمال فيختلف من مكان لآخر وقد يزيد عن المتر وقد تظهر في شكل كثبان يزيد سمكها عن الخمسة أمتار ، تتركز فوق صخور صلبة وهي كثبان متنقلة تأخذ أشكالا متنوعة واتجاهات متغيرة بتغير اتجاه الرياح.
تحتل التربة الرملية
مساحة واسعة من الصحراء العربية خاصة في صحراء الجزائر حيث \تغطى الركن الشمالي
الغربي بمنطقة وادي سوف المعروفة بالعرق الشرقي وكذلك الجهات الغربية
الوسطىالمعروفة بالعرق الغربي كما تحتل مساحة واسعة من صحراء الربع الخالي
بالمملكة العربية السعودية والصحراء السـورية والعراقية . وتكاد تنعدم الحياة
النباتية فوق هذه الرمال في كل فصول السنة خاصة المتحركة منها. أما الثابتة نسبيا
فقد تظهر فوقها شجيرات
المصدر: موقع الجغرافيا التطبيقية
إرسال تعليق
نشكرك على مشاركتك في التعليق على هذا الموضوع